أبو موسى الأشعري رضي الله عنه
انه عبـدالله بن قيـس المكني ب( أبي موسى الأشعري )، غادر وطنه اليمن الى الكعبة
فور سماعه برسول ظهر هناك يدعو الى التوحيد ، وفي مكة جلس بين يدي الرسول الكريم
وتلقى عنه الهدى واليقين ، وعاد الى بلاده يحمل كلمة اللـه ، ثم رجع الى الرسـول بعد
فتح خيبر ، ووافق قدوم جعفر بن أبي طالب مع أصحابه من الحبشة ، فأسهم الرسول لهم
جميعا ، وجاء معه بضعة وخمسون من أهل اليمن ، مع شقيقاه : أبورهم ، وأبوبردة ...
وسمى الرسول -صلى الله عليه وسلم- هذا الوفد بالأشعريين وبأنهم أرق الناس أفئدة ...
ايمانه
ومن ذلك اليوم أخذ أبوموسى مكانه
العالي بين المؤمنين ، فكان فقيها حصيفا ذكيا ، ويتألق بالافتاء والقضاء
حتى قيل : ( قضاة هذه الأمة أربعة : عمر وعلي وأبوموسى وزيد بن ثابت ) ...
وكان من أهل القرآن حفظا وفقها وعملا ، ومن كلماته المضيئة : ( اتبعوا
القرآن ولا تطمعوا في أن يتبعكم القرآن ) واذا قرأ القرآن فصوته يهز أعماق
من يسمعه حتى قال الرسول -صلى الله عليه وسلم- : " لقد أوتي أبوموسى
مزمارا من مزامير آل داود " ... وكان عمر يدعوه للتلاوة قائلا : ( شوقنا
الى ربنا يا أبا موسى ) ... وكان من أهل العبادة المثابرين وفي الأيام
القائظة كان يلقاها مشتاقا ليصومها قائلا: ( لعل ظمأ الهواجر يكون لنا ريا
يوم القيامة ) ...
في مواطن الجهاد
كان أبوموسى -رضي الله عنه- موضع ثقة
الرسول وأصحابه وحبهم ، فكان مقاتلا جسورا ، ومناضلا صعبا ، فكان يحمل
مسئولياته في استبسال جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقول عنه : " سيد
الفوارس أبوموسى " ... ويقول أبوموسى عن قتاله : ( خرجنا مع رسول الله في
غزاة ، نقبت فيها أقدامنا ، ونقبت قدماي ، وتساقطت أظفاري ، حتى لففنا
أقدامنا بالخرق ) ... وفي حياة رسول الله ولاه مع معاذ بن جبل أمر اليمن
...
الامارة
وبعد وفاة الرسول -صلى
الله عليه وسلم- عاد أبوموسى من اليمن الى المدينة ، ليحمل مسئولياته مع
جيوش الاسلام ، وفي عهد عمر ولاه البصرة ، فجمع أهلها وخطب فيهم قائلا : (
ان أمير المؤمنين عمر بعثني اليكم ، أعلمكم كتاب ربكم ، وسنة نبيكم ،
وأنظف لكم طرقكم ) ... فدهش الناس لأنهم اعتادوا أن يفقههم الأمير ويثقفهم
، ولكن أن ينظف طرقاتهم فهذا ما لم يعهدوه أبدا ، وقال عنه الحسن -رضي
الله عنه- : ( ما أتى البصرة راكب خير لأهلها منه ) ... كما أن عثمان -رضي
الله عنه- ولاه الكوفة ...
أهل أصبهان
وبينما كان المسلمون يفتحون بلاد فارس
، هبط الأشعري وجيشه على أهل أصبهان الذين صالحوه على الجزية فصالحهم ،
بيد أنهم لم يكونوا صادقين ، وانما أرادوا أن يأخذوا الفرصة للاعداد لضربة
غادرة ، ولكن فطنة أبي موسى التي لم تغيب كانت لهم بالمرصاد ، فعندما هموا
بضربتهم وجدوا جيش المسلمين متأهبا لهم ، ولم ينتصف النهار حتى تم النصر
الباهر ...
موقعة تستر
في فتح بلاد فارس أبلى
القائد العظيم أبوموسى الأشعري البلاء الكريم ، وفي موقعة التستر بالذات
كان أبوموسى بطلها الكبير ، فقد تحصن الهرمزان بجيشه في تستر ، وحاصرها
المسلمون أياما عدة ، حتى أعمل أبوموسى الحيلة ... فأرسل مائتي فارس مع
عميل فارسي أغراه أبوموسى بأن يحتال حتى يفتح باب المدينة ، ولم تكاد تفتح
الأبواب حتى اقتحم جنود الطليعة الحصن وانقض أبوموسى بجيشه انقضاضا ،
واستولى على المعقل في ساعات ، واستسلم قائد الفرس ، فأرسله أبوموسى الى
المدينة لينظر الخليفة في أمره ...
الفتنة
لم يشترك أبوموسى -رضي الله عنه-
في قتال الا أن يكون ضد جيوش مشركة ، أما حينما يكون القتال بين مسلم
ومسلم فانه يهرب ولا يكون له دور أبدا ، وكان موقفه هذا واضحا في الخلاف
بين علي ومعاوية ، رضي الله عنهما .
وفاته
وجاء أجل أبوموسى الأشعري ، وكست محياه اشراقة من يرجو لقاء ربه وراح لسانه في لحظات الرحيل يردد كلمات اعتاد قولها دوما : ( اللهم أنت السلام ، ومنك السلام ) ...