االقاعدة الأولى :اعلم رحمني الله
وإياك إن وجوب معاداة الكفار وبغضهم ، وتحريم
موالاتهم ومحبتهم جاءت في كتاب الله صريحة ومتنوعة ، بل إنها في صراحتها لا تخفى على العالم ولا العامي ولا على حتى الصغير غير المكلف
،بل نص أهل العلم على أنه ليس في كتاب الله تعالى حكم فيه من الأدلة أكثر و لاأ بين من هذا الحكم بعد وجوب التوحيد وتحريم ضده ومن الآيات الدالة
على هذا الأمر قوله تعالى: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق ) وقال سبحانه
ياأيها
الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطاناً مبيناً )النساء[144] ، وقال سبحانه : ( لا
يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله
في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة )آل عمران [28] ، ويقول جل وعلا: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون ) التوبة[23].
القاعدة الثانية : أن الوقوع في هذا المنكر العظيم والجرم
الخطير ألا وهو موالاة الكفار ومحبتهم ، أو توليهم
ونصرتهم قد يخرج الإنسان من دين الإسلام بالكلية بنص كتاب
الله عزوجل من لابنص البشر واسمع إلى قول الله عزوجل : ( يا
أيها الذين آمنوا لا تتخذو االيهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ،
ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) المائدة [51] قال حذيفة
رضي الله عنه : " ليتق أحدكم أن يكون يهودياً أو نصرانياً وهو
لا يشعر لهذه الآية "أ.هـ ، ويقول القرطبي –رحمه الله – عند تفسير هذه الآية : " أي من يعاضدهم ويناصرهم على المسلمين فحكمه
حكمهم ،
في الكفر والجزاء وهذا الحكم باق إلى يوم القيامة ،
وهوقطع الموالاة بين المسلمين والكافرين "أ.هـ ،ويقول
سبحانه : ( لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون
المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء ) آل عمران [28]،قال إمام المفسرين ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية
:"يعني فقد بريء من الله ، وبريء الله منه ،
بارتداده عن دينه ودخوله في الكفر "أ.هـ
القاعدة الثالثة :اعلم أن الأصل في معاداة الكفار وبغضهم
أن تكون ظاهرة لا مخفية مستترة ، حفظاً لدين المسلمين ،
وإشعاراً لهم بالفرق بينهم وبين الكافرين حتى يقوى ويتماسك
المسلمون ويضعف أعداء الملة والدين والدليل على هذا قوله تعالى
آمراً نبيه والأمة كلها بأن تقتدي بإبراهيم عليه السلام إمام الحنفاء
وأن تفعل فعله حيث قال سبحانه : ( قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين
معه إذ قالوا لقومهم إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله ، كفرنا
بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبداً حتى تؤمنوا بالله وحده ) وتأمل
معي الفوائد من هذه الآية العظيمة الصريحة التي لم تدع حجة لمحتج من
هذه الفوائد : 1-أنه قدم البراء من الكافرين على البراءة من كفرهم لأهمية
معاداة الكفار وبغضهم وأنهم أشد خطراً من الكفر نفسه ، وفيها إشارة إلى أن
بعض الناس قد يتبرأ من الكفر والشرك ولكنه لا يتبرأ من الكافرين.
2-أنه لما أراد أن يبين وجوب بغضهم عبر بأقوى الألفاظ وأغلظها فقال ( كفرنا بكم ) لخطورة وعظم الوقوع في هذا المنكر . 3-أنه قال (بدا ) والبدو
هو الظهور والوضوح وليس الخفاء والاستتار فتأمل هذا وقارنه بمن ينعق في زماننا بأنه لا يسوغ إظهار مثل هذه المعتقدات في بلاد المسلمين حتى لايغضب علينا أعداء الدين فلا حول ولا قوة إلا بالله . 4-تأمل معي قوله (العداوة والبغضاء ) فلا يكفي بغضهم بل لا بد من إظهار العداوة
لهم ،
بل إنه قدم العداوة على البغضاء لتأكد وجوبها . 5-قوله (
أبداً): أي إلى قيام الساعة ولو تطور العمران وركبنا
الطائرات وعمرنا الناطحات ، فهذا أصل أصيل لا يزول
ولا يتغير بتغير الزمان ولا المكان .
القاعدة الرابعة :أن حرمة موالاة الكفار تزداد وتتأكد في
حق من كان
محارباً مقاتلاً للمسلمين ، مخرجاً لهم من ديارهم ،
وصاداً لهم عن دينهم كما قال تعالى : (إنما ينهاكم الله عن
الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم ، وظاهروا على
إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون ) ، فلكم الله يأهل فلسطين ويا أهل العراق ويا أفغانستان ويا أهل
الشيشان
وياكل مسلم اصطلى بنار الكفر والكافرين فإنا نشهد الله على
بغض من آذاكم
وقاتلكم وأخرجكم من دياركم نسأل الله أن يرفع عنكم
الضائقة ويكشف عنكم البلوى .
القاعدة الخامسة : اعلم أن هذه القضية أعني وجوب معاداة
الكافرين وبغضهم أمر لا خيار لنا فيه بل هو من العبادات
التي افترضها على المؤمنين كالصلاة وغيرها من فرائض الإسلام
وقد تقدمت الآيات الصريحة الدالة على هذا الأمر ، فلا تغتر بمن
يزعم أن هذا دين الوهابية أو دين فلان أو فلان بل هذا دين رب العالمين ،
وهدي سيد المرسلين
.
القاعدة السادسة : أن هذا الأمر من الشرائع التي فرضت على
كل الأنبياء والرسل أعني معاداة أعداء الله والبراءة منهم ، فهذا نوح يقول الله له عن ابنه الكافر ( إنه ليس من أهلك ) ، وهذا ابراهيم يتبرأ هو
ومن معه من المؤمنين من أقوامهم وأقرب الناس إليهم بل تبرأ من أبيه فقال ( واعتزلكم
وما تدعون من دن الله ) ، وأصحاب الكهف اعتزلوا قومهم الذين كفروا حفاظاً
على دينهم وتوحيدهم قال جل وعلا عنهم : (وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا
الله فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته ويهيء لكم من أمركم مرفقاً ) .
القاعدة السابعة : إن قضية
الولاء للمؤمنين
والبراءة من الكافرين مرتبطة بلا إله إلا الله إرتباطاً وثيقاً ، فإن لا إله إلا الله تتضمن ركنين : الأول : النفي وهو نفي العبودية عما سوى الله والكفر بكل ما يعبد من دون الله وهو الذي سماه الله عزوجل
الكفر
بالطاغوت ، والثاني : الإثبات : وهو إفراد الله بالعبادة
والدليل على هذين الركنين قوله تعالى : (فمن يكفر بالطاغوت
ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها
والله سميع عليم ) ومن الكفر بالطاغوت الكفر بأهله كما جاء في
قوله تعالى (كفرنا بكم ) وقوله (إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله ) إذ لا يتصور كفر من غير كافر ولا شرك من غير مشرك فوجب
البراءة
من الفعل والفاعل حتى تتحقق كلمة التوحيد كلمة لا إله إلا
الله .
القاعدة الثامنة : فرق بعض أهل العلم بين الموالاة
والتولي ، وقالوا : إن الموالاة أي موالاة الكفار : معناها
المصانعة والمداهنة للكفار لغرض دنيوي مع عدم إضمار
نية الكفر والردة عن الإسلام كما حصل من حاطب بن أبي بلتعة عندما كتب إلى
قريش يخبرهم بمسير رسول الله صلى الله عليه وسلم فمثل هذا يعتبر كبيرة من
الكبائر ، وليست بكفر ينقل عن الملة ،ولهذا النوع مظاهر معاصرة كالتشبه
بهم في اللباس وفي الهيئة أو حضور أعيادهم وتهنئتهم بها، وغيرها من
مظاهر الموالاة التي لا تعد كفراً ناقلاً عن الملة، وأما التولي فهو : الدفاع عن الكفار وإعانتهم ونصرتهم بالمال والبدن والرأي
والمشورة
ولو بقلم أو كلمة ، وهذا كفر صريح وخروج عن الملة كما
جاءت بذلك الآيات
.
القاعدة التاسعة :هناك فرق بين بغض الكافر وعداوته وبين
معاملتهم ودعوته إلى الإسلام ، فالكافر لا يخلو إما أن
يكون حربياً فهذا ليس بيننا وبينه إلا السيف وإظهارة العداوة
والبغضاء له ، وإما أن يكون ليس بمحارب لنا ولا مشارك
للمحاربين فهذا إما أن يكون ذمياً أو مستأمناً أوبيننا وبينه عهد فهذا يجب مراعاة العهد الذي بيننا وبينه فيحقن دمه ولايجوز التعدي عليه وتؤدى حقوقه إن كان جاراً، ويزار إن كان مريضاً ،وتجاب دعوته بشرط
دعوته
للإسلام في كل هذه الحالات وعدم الحضور معه في مكان يعصى
الله فيه وبغير هذين الشرطين لا يجوز مخالطته والأنس
معه، فصيانة الدين والقلب أولى وأحرى ، بل أمرنا عند دعوتهم بمجادلتهم بالتي هي أحسن
كما قال جل وعلا : ( ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن )
وقال عمن لم يقاتلنا : ( لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم
في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم
إن الله يحب المقسطين ) الممتحنة [8].
القاعدة العاشرة : اعلم أنه يجوز في بعض الحالات أن تظهر
بلسانك المودة إذا كنت مكرهاً وتخشى على نفسك ، وهذا
فقط في الظاهر لا في الباطن بمعنى أنك عند الإكراه تظهر له
بلسانك المودة لا بقلبك فإن قلبك لا بد أن ينطوي على بغضه
وعداوته كما قال جل وعلا : ( لايتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير ) قال ابن كثير –رحمه الله -:
" ( إلا
أن تتقوا منهم تقاة ) قال : أي إلا من خاف في بعض البلدان
أو الأوقات من شرهم فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه
ونيته ، كما حكاه البخاري عن أبي الدرداء أنه قال: إنا
لنكشر في وجوه أقوام وقلوبنا تلعنهم، وقال الثوري : قال ابن عباس : ليس
التقية بالعمل إنما التقية باللسان "أ.هـ ، وعليه فإن لايجوز بحال
حتى في حال الإكراه عمل ما يوجب الكفر كإعانة الكفار على المسلمين
ونصرتهم عليهم وإفشاء أسرارهم ونحو ذلك ، قال ابن جرير عند تفسير قوله ( إلا أن تتقوا منهم تقاة ) : " إلا أن تكونوا في سلطانهم
فتخافوهم
على أنفسكم ، فتظهروا لهم الولاية بألسنتكم ، وتضمروا لهم
العداوة ، ولا تشايعوهم على ما هم عليه من الكفر ، ولا
تعينوهم على مسلم بفعل"أ.هـ